الصداقة مع الحسن
يخصص الكتاب فصلا موسعا عن الصداقة والمحبة التى ربطت بين الملك المغربى الحسن الثانى والعندليب والتى وصلت الى حد مشاركة عبد الحليم فى كافة المناسبات الخاصة والعامة للملك الراحل ، ومساهمة المملكة المغربية فى المشاركة فى علاج العندليب بفرنسا وامريكا . لقد كان الملك الحسن يحب عبد الحليم بشكل خاص ويعتبره استثناء فى تاريخ الفن العربى ، كما أن العندليب بعد الصدمة القاسية التى تعرض لها فى اعقاب النكسة تحول الى مطربا خاصا للبلاط المغربى حتى انه سافر الى المغرب 15 مرة خلال الفترة من عام 1970 وحتى نهاية حياته .
يخصص الكتاب فصلاً موسعًا عن الصداقة والمحبة التي ربطت بين الملك المغربي الحسن الثاني والعندليب، والتي وصلت إلى حد مشاركة عبد الحليم في كافة المناسبات الخاصة والعامة للملك الراحل، ومساهمة المملكة المغربية في المشاركة في علاج العندليب بفرنسا وأمريكا.
لقد كان الملك الحسن يحب عبد الحليم بشكل خاص، ويعتبره استثناء في تاريخ الفن العربي، كما أن العندليب بعد الصدمة القاسية التي تعرض لها في أعقاب النكسة تحول إلى مطرب خاص للبلاط المغربي، حتى أنه سافر إلى المغرب 15 مرة خلال الفترة من عام 1970 وحتى نهاية حياته.
وكان الملك الحسن يستثني حليم من كافة الترتيبات البروتوكولية التي يفرضها على البلاط المغربي، مثل تقبيل يده أو الانحناء أمامه أو غيرها من المراسم التي تميزت بها المملكة المغربية خلال عهد الحسن. لقد كان الملك يعانق حليم كلما رآه، ويسمح له بكل وأي شيء، حتى أنه كان له حق اصطحاب من يشاء من الفنانين للمشاركة في حفلات الملك.
وقد عرف الدكتور هشام عيسى عددًا كبيرًا من رموز الدولة المغربية خلال رحلاته إلى هناك مع حليم، حتى أنه يحدثنا عن انطباعاته الشخصية بشأن الجنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية والدفاع، أحد الجلادين المشاهير في العالم العربي، والمتهم بقتل المعارض المغربي المهدي بن بركة، ويقول إنه كان باردًا أنيقًا لطيفًا في كلامه، يضع على عينيه نظارة سوداء، ويرسل نظرات نفاذة، وكانت فاطمة أوفقير، زوجته، جميلة وتحب مصر كثيرًا .
حليم وضباط الانقلاب المغربى
ويحكي "عيسى" قصة انقلاب الصخيرات الشهير، الذي أفلت فيه الملك الحسن من الموت بأعجوبة، وإن كان المؤلف يورد تاريخًا خاطئًا للحادث، هو يوليو 1972، والصحيح هو يوليو 1971، وقد تصورت أن ذاكرتي ضعيفة؛ فرجعت إلى المصادر المغربية لأتأكد، ووجدت بالفعل أن التاريخ الوارد في مذكرات طبيب حليم غير صحيح، وأنا أرجح أن يكون خطأ مطبعيًّا.
وفي يوم الحفل توجه حليم صباحًا إلى الإذاعة لتسجيل أغنية الاحتفال بالملك والتي كتبها محمد حمزة، ويقول مطلعها: "أقبل الحسن علينا / ومن الحسن ارتوينا"، وغاب كثيرًا، وسمع هشام عيسى هرجًا داخل الفندق الذي كانوا يقيمون فيه، وكان كثيرون يجرون داخله والدماء تسيل منهم، وسمع من الإذاعة أن الملك الحسن قتل، وأن الثوار استولوا على الحكم. وسأل وفد الفنانين المصريين عن فريد الأطرش وعبد الوهاب، وعلموا أنهما استأذنا من الملك قبل الهجوم بدقائق للاستعداد للحفل.
كان الملك جالسًا في قصره بالصخيرات على بعد 15 كيلو مترًا من العاصمة عندما هاجم ألف طالب من كلية ضباط الصف القصر، بقيادة الجنرال عبابو، ودارت اشتباكات دموية مات على إثرها نحو 138 شخصًا، وأصيب مئات آخرون، وهرب الملك من أحد الحمامات، وقتل الجنرال المذبوح، وكان ينتظر الثوار داخل القصر، وكان ممن أفلحوا في الهرب السفير المصري بالرباط حسن فهمي عبد الحميد.
وقتها كان حليم داخل الإذاعة عندما فوجئ بقوة من الثوار تستولي عليها، وتطلب منه إذاعة بيان الثورة وإعلان الجمهورية. كان حليم شجاعًا عندما قال لهم إنه ليس له أي علاقة بالسياسة ولا يستطيع أن يفعل ذلك. وبدأت الصورة تكتمل بعد فشل الانقلاب وعودة قوات الحرس الملكي لاستعادة الإذاعة وتخليص حليم منها.
بعد أيام قليلة بدأت الإعدامات في ضباط الصف بعد تعذيبهم على يد الجنرال أحمد الدليمي، وقد احتفل الملك بإعدامهم بالرصاص في وجود الملك الحسين، ملك الأردن، الذي جاء لتهنئة الحسن بنجاته. وقد أذيعت الإعدامات على الناس، وكان الضباط يهتفون بحياة الملك قبل إعدامهم. وقد التقى حليم بالملك الحسن بعد أيام من الحادث فسأله الملك: لماذا رقص الفنانون المصريون بعد سماعهم أنباء الانقلاب؟ فقال حليم في ذكاء: لقد رقصوا بالفعل عندما علموا بنجاة سيدنا
وقد استقبل حليم بعد عودته إلى مصر فاطمة زوجة الجنرال أوفقير، ورتب لها زيارة إلى الأهرامات، وبعد شهور غنى حليم مرة أخرى للملك الحسن: "رجعت سفينة الحر بالسلامة / ما طالتها موج الغدر والندامة".
وسافر حليم إلى باريس عندما علم بنبأ الانقلاب الثاني الذي دبره الجنرال أوفقير نفسه. في ذلك الحادث أمر أوفقير الطيار أموقران بقيادة سرب طائرات واعتراض طائرة الملك في الجو وإسقاطها بمن فيها، لكن القدر شاء أن تفشل المهمة، حيث اشتعلت طائرة الملك، وأمر قائد طائرته أن يتحدث إلى المقاتلات الأخرى ويخبرهم أن الملك مات ولا داعي لحرق الطائرة، وهبطت الطائرة، ونجح الملك في الوصول إلى قصره، وتم القبض على أموقران، الذي اعترف أن أوفقير أمره بذلك؛ وهو ما دعا الملك إلى أن يأمر الدليمي بإنهاء حياة أوفقير، وبالفعل تم استدعاؤه إلى القصر، وعندما وصل سأل: هل تخلصتم من جميع الخونة؟ فرد عليه الدليمي: إلا واحد. وأطلق خمس رصاصات عليه، وصدر بيان بانتحاره.
بعد الحادث ذهب حليم إلى المغرب، وهنأ الملك بنجاته، فسمع منه شتائم لا حصر لها على أوفقير وزوجته، وفيما بعد سجنت فاطمة وأبناؤها في الصحراء لمدة 18 عامًا. والمثير أن الملك تخلص فيما بعد من الجنرال الدليمي فى حادث سيارة عام 1983.
سعاد حسنى وصلاح نصر
ويتحدث طبيب عبد الحليم بحذر شديد عن قصة الحب التى ربطت المطرب الراحل بالفنانة الراحلة سعاد حسنى . إن الطبيب الصديق يشير الى أن تلك القصة بدأت فى المغرب ، وكان حليم يختار الفنانين الذين يذهبون الى المغرب للمشاركة فى احتفالات الملك . كان الحب واضحا بين الطرفين وعرض عليها حليم الزواج وبعد أيام أخبر حليم طبيبه برفض سعاد حسنى الزواج منه . ويحكى المؤلف أن صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات أتصل يوما بحليم وقال له ان سعاد تعمل معنا ، وهو ما أحزنه فاتصل بها ودعاها الى رفض العمل مع المخابرات فى أى عمل مشبوه . وكان صلاح نصر فى ذلك الوقت يجند بعض الفنانات للعمل مع المخابرات للسيطرة على شخصيات عربية معينة عن طريق الايقاع بهم وتصويرهم فى أوضاع مشينة . وفى اليوم التالى اتصل صلاح نصر بحليم بعد أن كان قد استمع الى مكالمته مع سعاد حسنى وأخبره أن تلك المكالمة أغضبته وهدده ، الا أن حليم رد بأنه لا يخاف منه وطلب منه عدم الاتصال به مرة أخرى . واتصل حليم وقتها بالمشير عامر وحكى له فقال له أنه سينهى الموضوع .
وقد كان حليم يحب أن تثار حوله حكايات عديدة حول غرامياته وكان أكثرها غير صحيح ، خاصة أن المرض أثر تاثيرا مباشرا على حياة المطرب الراحل . ومن الطرائف أن الشاعر الراحل كامل اشلناوى كانت له عبارة شهيرة تقول " إن حليم لا يصدق الا فى الغناء " تعليقا على حكايات الحب التى كان المطرب يشيعها حوله . لكن هشام عيسى يؤكد أن اعجاب كثير من الفتيات والسيدات بحليم وصل الى أٌصى درجات الحب ويحكى قصة كان شاهدا عليها فى باريس . عندما سأله أحد اصحاب المحلات الفرنسيين عن حليم وأخبره أنه رأى صورته من قبل فقال عيسى : أنه أكبر مطرب عربى . فقال الفرنسى أن زوجته تحبه وتعجب به كثيرا . واتصل الفرنسى بزوجته سلمى الجزائرية وقدمت بسرعة وعانقت حليم وقبلته والتقطت معه صور عديدة ثم دعته للعشاء وكلما زار باريس ذهب الى سلمى وزوجها . وفى يوم ما عرف هشام عيسى أن سلمى تشاجرت مع زوجها بسبب حليم وضربها بآلة حادة ثم انتحر بالرصاص .
يوسف شاهين مجنون
ومن بين الحكايات التي يوردها الكتاب أن حليم كان سيقوم ببطولة فيلم من إخراج يوسف شاهين بعنوان "وتمضي الأيام" إلا أن المشروع فشل بسبب الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم. وأصل الحكاية أن حليم فقد أمه بعد ولادته بأيام، وفقد والده وهو صغير، وذهب إلى ملجأ عبد اللطيف بك حسنين بالزقازيق، وكان في عنبر واحد مع الشاعر أحمد فؤاد نجم في سريرين متجاورين، وبعد شهرة حليم زاره نجم مرة واحدة، وكان اللقاء فاترًا، خاصة أن أشعار الفاجومي كانت تنتقد كثيرًا من الأوضاع السياسية بطريقة لاذعة لم تكن تعجب حليم، الذي نشأ وصعد في رعاية الثورة.
وفي بداية السبعينيات عرض سيناريو جديد على حليم ودعا "شاهين" إلى إخراجه، ففوجئ به يقحم الشاعر فؤاد نجم والشيخ إمام ضمن أبطال الفيلم، وغضب حليم وقال عن "شاهين" :"إنه مجنون وجايب اتنين شيوعيين يعلموني الوطنية".
عبد الناصر ليس نبيا
حكاية أخرى تقول إن أول قصيدة كان حليم ينوي غناءها من أشعار نزار قباني كانت في رثاء عبد الناصر. وكان حليم يحب جمال عبد الناصر حبًّا شديدًا، حتى أنه تعرض لنزيف شديد عندما علم بخبر وفاته. وقد التقى حليم بنزار وسمع منه قصيدته الشهيرة عن عبد الناصر: "قتلناك يا آخر الأنبياء..
قتلناك وليس غريبًا علينا.. اغتيال الصحابة والأولياء.
فكم من إمام قتلنا..
وكم من رسول ذبحناه وهو يصلي العشاء"
وأعجب حليم بالقصيدة، وطلب تلحينها، وعندما قالها أمام أسرته رفضوا أن يغنيها، وقالوا له إن عبد الناصر زعيم وليس نبيًّا، وفشل المشروع بسبب عدم اقتناع أسرته بها دينيًّا.
وكثيرًا ما اضطر حليم إلى الاستئثار بأغانٍ وألحان كانت معدة لمطربين آخرين عندما تعجبه، ومن ذلك أغنية "تخونوه" التي كانت ليلى مراد تتأهب لغنائها، وقد طلب منها عبد الحليم أن يغني هو الأغنية، ووافقت بما عرف عنها من ذوق عال. وكان حليم يقلق كثيرًا كلما سمع هاني شاكر، ويومًا ما غضب الموجي من حليم فذهب بلحن "رسالة من تحت الماء" إلى هاني شاكر، الذي غناها بأداء جيد، وعندما علم حليم دعا طبيبه هشام عيسى للاتصال بالموجي ودعوته، ومارس عليه ضغوط الصداقة ليستعيد الأغنية.
ويتحدث المؤلف عن علاقات حليم برموز الفن والغناء، فيشير إلى الجفاء الذي كان بينه وبين فريد الأطرش، والذي انتهى بجلسة صلح دبرها جلال معوض، وبعدها كانا يسهران معًا، وكان فريد محبًّا للقمار والسهر رغم تكرر أزماتة القلبية.
أما كمال الطويل فقد ارتبط بعلاقة صداقة مع حليم رغم موقفه من النظام الناصري. وقد أقسم ألا يلحن أي أغنية بعد النكسة تمجد شخصًا ما؛ لذا فقد رفض أن يلحن أغنية "عاش اللي قال" بعد حرب أكتوبر. وأما عبد الوهاب فقد اقتنع بموهبة حليم، واستطاع بذكائه الاستفادة من نجاحه والمشاركة في تلحين بعض أغانيه.
الحرب مع أم كلثوم
على الجانب الآخر اتسمت علاقة المطرب الراحل بالسيدة أم كلثوم بالتوتر والغيرة. وكان مما يضايق حليم أن أم كلثوم تستأثر بحفلات الثورة وتبدأها، ويكمل من بعدها باقي المطربين. كما كانت عندما تُسأل عن أصوات الفنانين التي تثير إعجابها كانت تشير إلى قنديل أو محرم، ولا تذكر حليم.
وفي إحدى حفلات الثورة غنت أم كلثوم، وفي نهاية الحفل غنى عبد الحليم، وأمسك بالميكرفون وقال: أنا جعلوني أغني بعد أم كلثوم، ولا أدري إن كان هذا تكريمًا أم مقلبًا. واستشاطت أم كلثوم غضبًا وأخبرت عبد الناصر أنها لا تريد أحدًا معها في حفلات الثورة. وبالفعل خُصص يوم واحد لأم كلثوم ويوم آخر لباقي المطربين.
وفي يوم ما حاول حليم الذهاب إلى أم كلثوم بعد إحدى الحفلات، ورفضت مقابلته؛ مما أغضبه جدًّا وصمم أن يرد لها ما فعلته فيه. وبالفعل سنحت له الفرصة في حفل زواج ابنة السادات، حيث طلب حليم من السيدة جيهان أن يغني أولاً؛ نظرًا لمرضه حتى يتمكن من الاستئذان مبكرًا، وبدلاً من أن يغني فقرة واحدة غنى طويلاً، فلم تستطع أم كلثوم الغناء إلا بعد الثانية صباحًا. وقتها سأل حليم طبيبه هشام عيسى: إن كان ما فعله في سيدة الغناء أعجبه أم لا؟
رحلة النهاية
يتحدث طبيب حليم عن رحلة المرض في حياة العندليب، والتي بدأت وعمره 24 عامًا خلال تصوير فيلم "لحن الوفاء" عام 1955، حيث فاجأه نزيف دموي نتيجة دوالي المريء، وقام بعمل جراحة للحد من النزيف، وظل سليمًا حتى وفاة عبد الناصر، ففي ذلك الوقت أصيب بنزيف شديد، ونقل إلى المستشفى، ونقل إليه دم يحتوي على فيروس "ب"، وساهم ذلك في اشتداد المرض عليه.
بعد رحلة إلى أمريكا رفض حليم اقتراحًا بعملية جراحية توصل الوريد القادم من الأمعاء مباشرة إلى القلب دون المرور على الكبد، وكان سبب الرفض أن من نتائج تلك العملية أن المريض قد يغيب عن الإدراك لحظات معينة. وكان تعليق حليم أنه قد يغني أغنية "موعود" فينتقل إلى "زي الهوى".
وكانت أعنف حالات النزيف التي واجهت حليم في المغرب عام 1972، وقد بقي وقتها 15 يومًا بين الحياة والموت، ونقل بطائرة خاصة إلى باريس.
وكان حليم يكره أن ينام ليلاً؛ لأن معظم أزماته كانت في الليل حتى رحل عن دنيانا في أزمة نزيف حادة في مارس 1977.
لعبة الحياة والموت... بين حليم وزكي
من يقرأ في حياة أحمد زكي، يعرف أن إصراره على القيام ببطولة فيلم "حليم" لم يأت من فراغ. كان إصراره نابعا من إدراك أن نهاية حياته لن تختلف كثيرا عن نهاية حياة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، فكلاهما من مواليد محافظة الشرقية، وكلاهما توفى والده في غضون عام بعد مولده، وكلاهما أصيب بمرض البلهارسيا. عبد الحليم ظل مسكونا بالمرض الذي تفاقم حتى الموت، في حين شفى منه زكي في وقت مبكر. كلاهما قابل الفشل في بداية حياته ورفض الآخرين له، عبد الحليم في أول أغنية له "صافيني مرة" قذفه الجمهور السكندري بالبيض والطماطم، في حين تم طرد أحمد زكي وبشكل مهين جدا من جانب يوسف فرنسيس منتج فيلم "الكرنك"، عندما علم الأخير أن زكي مرشح لبطولة الفيلم أمام سعاد حسني.
""
كلاهما عاش مرارة اليتم وظلت ملازمة له حتى بعد النجاح الذي حققاه في حياتهما، فيقول عبد الحليم:" أنا واحد من الذين لم يولدوا وفى أفواههم ملاعق من ذهب، أنا عشت في دوامة الحرمان والتقطت أذناي صيحات الالم منذ لحظات العمر الاولى"، أما زكي فقال:" في السابعة من عمري أدركت أنني لا أعرف كلمة أب وأم، وإلى اليوم عندما تمر في حوار مسلسل أو فيلم كلمة بابا أو ماما، أشعر بحرج ويستعصي عليّ نطق الكلمة".
الوحدة كانت رفيق درب كل من حليم وزكي، فالأول لم يتزوج على الإطلاق وإن كان هناك أقاويل حول زواجه بالفنانة سعاد حسني، أما الثاني فتزوج لمدة عام وبضعة أشهر من الفنانة هالة فؤاد، لينفصلا ويبقى زكي وحيدا، رافضا لفكرة الارتباط بامرأة أخرى.
""
كلاهما مات بمرض عضال، لم يكن له علاج بعد استشرائه في جسدهيهما، فمات عبد الحليم بسبب إصابته بدم ملوث، نقل إليه حاملا معه التهاب كبدي فيروسي فيروس سي، والذي لم يكن له علاج آنذاك، والذي تعذر علاجه مع وجود تليف في الكبد ناتج عن إصابته بداء البلهارسيا منذ الصغر، في حين مات زكي بعد إصابته بمرض السرطان الذي لا فكاك منه ، وتدهورت حالته نتيجة مضاعفات الورم السرطاني في صدره وانتشاره إلى الكبد والغدد اللمفاوية في البطن، مما تسبب في استسقاء بروتيني، كما أصيب بالتهاب رئوي وضيق حاد في الشعب الهوائية، وحتى في مراحلهم الأخيرة فكما كان يغنى حليم في المسرح، وخلف الستار طبيبه المعالج يقف بالمحاليل والأدوية، هو نفس الواقع مع زكي، ومن مصادفات القدر أن صراع "حليم" مع المرض الأخير في نهاية شهر مارس الذي شهد وفاته وهو نفس الشهر الذي فقد فيه "أحمد" قدرته على التغلب على المرض واستسلم للموت .
""
يقول أحمد زكي عن السبب الحقيقي وراء تجسيده شخصية حليم :"وجدت نفسي في شخصية عبدالحليم بشكل كبير جدا، شعرت أنها قريبة من نشأتي وحياتي ومشاعري، وسأمثل الفيلم بعد الانتهاء من شخصية السادات حتى لو أخذت قروضاً ورهنت منزلي"
""
أكد زكي أن سبب حماسه لتجسيد شخصية عبد الحليم مزيج من الفني والشخصي، فالتشابه كبير بينهما في الإصابة بمرض البلهارسيا وموت أبويهما، مشيرا إلى أن المطرب الذي نشأ يتيما "استطاع أن يشق طريقه من الملجأ إلى أن أصبح سيداً للغناء العربي".
كان زكي متحمسا لينجز فيلم "حليم"، لدرجة أنه وهو في أيامه الأخيرة ينازع الموت، جذب شريف عرفة مخرج الفيلم نحوه ليطلب تصويره وهو بهذا الشكل لاستكمال مشاهد الفيلم الأخيرة التي تصور مرض عبد الحليم.
""
وقال:" أنا لو بصور كل الافلام بنفس سرعة تصويري لفيلم "حليم" لكنت عملت مليون فيلم".
قالها لحسرته على ضياع الوقت في كثير من أفلامه السابقة.
حليم وزكي متشابهان في الحياة والموت والإبداع والسكنة في قلوب ملايين البشر.
يرحمهما الله.
لحن الوداع: جنازة الحب والانتحار
"في يوم، في شهر، في سنة تهدا الجراح وتنام وعمر جرحي أنا أطول من الأيام". غناها عبد الحليم وهو يعلم تمام العلم أنها لسان حاله وهو يصارع مرض البلهارسيا لمدة سنوات؛ المرض الذي لم يثنه عن شق طريقه وخلق نجومية لم يكن هو نفسه يتوقعها.
في سنواته الأخيرة أثر المرض على عبد الحليم، فسافر إلى لندن وتحديدا لمستشفى "سان جيمس"، التي تعد واحدة من أرقى المستشفيات في بريطانيا، وعلى الرغم من إجرائه للعديد من العمليات الجراحية، إلا أن عبد الحليم لم يستطع أن يقاوم المرض الذي أزهق أنفاسه في الغربة، وبالتحديد يوم الأربعاء 30 مارس 1977، عن عمر يناهز ثمانية أربعين عاما.
موت عبد الحليم حافظ كان بمثابة صدمة لجيله، على الرغم من أنباء مرضه المتداولة في الصحف والمجلات، وتوقع وفاته في أي وقت، خاصة بعد تواجده في مستشفيات لندن في أيامه الأخيرة بشكل مستمر، إلا أن هذا لم ينف الصدمة التي أصابت الناس فور سماعهم الخبر.
ارتباط الناس بعبد الحليم لم يكن ارتباطا فنان عادي بجمهوره، بل كان ارتباطا من نوع خاص، ارتباط جيل بحلم الثورة وناصرها، حلم جسده عبد الحليم من خلال أغنياته، ونقلها لتبدو حقيقة عبر صوته، أحلام الحب والشباب والثورة والانتصار؛ كل هذا استطاع عبد الحليم أن يجسده بصوته، ليحلم معه جيل بأكمله، بكل آماله وآلامه، هذا الارتباط تجسد بوضوح في جنازة عبد الحليم حافظ، التي شيعها ما يقارب 250 ألف شخص، لتعد واحدة من أكبر الأحداث التي شهدتها مصر، وعلى الرغم من أن جنازتي أم كلثوم، جمال عبد الناصر، من أضخم الجنازات التي عرفتها مصر، إلا أن جنازة عبد الحليم كانت الأولى التي شهدت حالات انتحار كثير من الفتيات عقب سماعهن خبر رحيله، لتكون الأولى والوحيدة في تاريخ مصر التي ينتحر فيها جمهور وراء مطربه المفضل.
"البوابة" توجهت لأساتذة علم النفس والاجتماع لتفسير وتحليل حوادث الانتحار التي وقعت في أعقاب خبر وفاة عبد الحليم. أكد الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، ورئيس قسم الصحة الجنسية بالجمعية العالمية للطب النفسي، أن ظهور عبد الحليم حافظ كان في وقت يسيطر فيه عبد الوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم على الساحة الغنائية فكان شباب ذلك الوقت متعطشا جدا لصوت شبابي يعبر عنه، وكان هذا سبب نجاح عبد الحليم حافظ الذي يجسد أحلام شباب عصره، واستطاع بصوته أن يعبر عنهم، فقد غنى للوطن، وللحب، كما غنى للألم، مما جعل حليم يشبع كل ما يبحثون عنه، في حياتهم النفسية، هذا التشبع جعلهم يربطون في تفكيرهم أنه إذا مات، ماتوا معه وماتت أحلامهم، فماذا يتبقى لهم إذا مات من يمثلهم والمتمثل بداخلهم؟
ونفى عبد العظيم وجود شخصية لها نفس التأثير في الشارع والناس مثلما فعل العندليب، قائلا: "لا يوجد أحد على الساحة، سواء السياسية أو الفنية، قام بعمل حالة من الإشباع الوجداني والنفسي للجيل الحالي، ما فعله عبد الحليم صعب أن يتكرر، ظروف ظهوره وما قدمه في مشواره بشخصيته الذكية واللماحة، تجعل من الصعب أن يتواجد شخص يؤثر في الناس مثلما فعل العندليب".
تتفق معه دكتورة نادية رضوان، أستاذ علم الاجتماع، جامعة قناة السويس، وتضيف أن ارتباط الناس بعبد الحليم ارتباط عاطفي وشخصي، لمعاناته، ومرضه، عبد الحليم استطاع أن يكمل صورة جميلة بدفء وصدق إحساسه، في وقت كانت الحياة مليئة بالحب والرومانسية، حياة هادئة بعيدا عن الصخب والعنف والماديات الموجودة الآن، عبد الحليم استطاع بصوته أن يعلم الإحساس الراقي. ذكاؤه في اختيار أغانيه جعل الناس تصدقه، وتضيف رضوان أن عبد الحليم ليس مطربا فقط، وإنما مطرب ممثل كان يتعايش مع أغانيه، وينقل شخصيات الأغاني بدراما وانفعالات تتسم بالرقي، ليعيش ويتعايش معه الناس في إحساسه وإحباطاته، وآماله، بفرحه وحزنه، وهذا ما جعل لعبد الحليم وقعا وأثرا كبيرين، واستطاع حليم أن ينمي حسا مرهفا في منتهى الرومانسية لجيله، ليخاطب وجدان مستمعيه، فجعلهم على موجة حب واحدة، ولذلك عند وفاته تم شحن هذا الحس المرهف ليتطرف المجتمع في رهافته وتندفع بعض الفتيات إلى الانتحار. وتنهي رضوان كلامها بالتأكيد على أن هذا التطرف في الارتباط بنجم معين، لم ولن يتكرر مرة أخرى، لعدم ظهور من يخاطب وجدان الناس ويشعرهم بصدقه.
رابط الموضوع وعلى الصفحة صور وكل افلام العندليب
http://www.albawabhnews.com/News/27534